الثلاثاء، 21 أغسطس 2012

سليمان بن مهران الأعمش


سيرة أعلام الأمة

سليمان بن مهران الأعمش

إنه الامام الأعمش , أحد أساطين العلم والحديث , شيخ المقرئين والمحدثين, والذى قلما يعرفه عامة الناس فأحببت أن أنقل بعضاً سيرته والله لى التوفيق.

عبدالسلام

"نسبه ونشأته

هو سليمان بن مهران أبو محمد الأسدى الكاهلى، وكان مولده يوم استشهاد الحسين بن علي بن أبي طالب وذلك يوم عاشوراء في المحرم سنة ستين للهجرة، وأعده أصحاب الطبقات من الطبقة الرابعة من التابعين. وعاش الأعمش في الكوفة، وكان محدثها في زمانه.

أدرك الأعمش جماعة من الصحابة وعاصرهم ورأى أنس بن مالك وسمعه يقرأ ولم يحمل عنه شيئًا مرفوعًا وأرسل عن ابن أبي أوفى، وتعلم من أبي إسحاق وأبي صالح ومن زيد بن وهب، وسمع من المعرور بن سويد وأبا وائل شقيق بن سلمة وعمارة بن عمير وإبراهيم التيمي وسعيد بن جبير ومجاهد بن جبير وإبراهيم النخعي والإمام الزهري.

من أهم ملامح شخصيته
تواضعه رغم غزارة علمه

كان الأعمش يسمَّى المصحف من صِدقِهِ، وحدّث عنه أمم لا يحصون، إلا أنه كان متواضعًا شديد التواضع، ولقد جاءه رجل يسأله عن مسألة في العلم، وعنده أبو حنيفة - وهو من تلامذته - فقال لأبي حنيفة: أجبه. فأجابه، فقال له: و من أين لك هذا؟ قال: من حديث حدثتَنيه هو كذا وكذا. فقال الأعمش: حسبك ما حدَّثتُكَ به في سنة تحدِّث به في ساعة، أنتم الأطباء و نحن الصيادلة.

جرأته في الحق

وكان الأعمش جريئًا في الحق لا يخشى لومة لائم وإن عرضه ذلك للتلف أو الهلاك، ولقد بعث إليه هشام بن عبد الملك قائلاً له: أن اكتب لي مناقب عثمان ومساوئ علي؟ فأخذ الأعمش (رحمه الله) القرطاس وأدخله في فم شاة فلاكته، وقال لرسوله: قل له: هذا جوابك. فقال له الرسول: إنه قد آلى أن يقتلني إن لم آته بجوابك، وتحمل عليه بإخوانه، فقالوا له: يا أبا محمد! نجه من القتل، فلما ألحوا عليه كتب له: بسم الله الرحمن الرحيم: أما بعد، فلو كانت لعثمان مناقب أهل الأرض ما نفعتك، ولو كانت لعلي مساوئ أهل الأرض ما ضرتك، فعليك بخويصة نفسك.

زهده في الدنيا

ولقد كان الأعمش زاهدًا في الدنيا راغبًا في الآخرة، أدان نفسه وعمل لما بعد الموت، لم يغتر بزينة الحياة الدنيا ومتاعها، فعاش زاهدًا معتزًا بعلمه ولو رأيته لظننته سائلاً لما عليه من ثياب رث، ويقول ابن عيينة: لو رأيت الأعمش وعليه فرو غيظ وخفان غليظان كأنه إنسان سائل فقال: يومًا لولا القرآن وهذا العلم عندي لكنت من بقالي الكوفة، ورغم ذلك إلا أن الأغنياء رغبوا في علمه وزهد هو في دنياهم مما جعلهم يقبلون عليه ويتعلمون منه، يقول عيسى بن يونس: لم نر نحن مثل الأعمش وما رأت الأغنياء عند أحد أحقر منهم عنده مع فقره وحاجته.

عزة نفسه

ورغم فقره وما كان يعانيه في حياته إلا أنه كانت لديه عزة نفس فلم يأكل بدينه أو بعلمه، ولم يجعل علمه قصصًا يرويها لمن طلب منه، بل كان ينظر إلى ما عنده من علم على أنه شيء ثمين لا يُؤخذ إلا بحقه، ولما دخل على ابن هبيرة طلب منه أن يُحدث فقال له: لست بقاص، فلم يكن علمه ليحدث به عند الأمراء؛ بل الأولى أن يذهبوا إليه ليتعلموا منه، ويحدثهم.

علمه

وكان الأعمش عالمًا شهد له بذلك علماء عصره وقال عنه سفيان بن عيينة سبق الأعمش أصحابه بخصال: كَانَ أقرأهم لكتاب الله، وأحفظهم للحديث، وأعلم بالفرائض، وقال المغيرة: لما مات إبراهيم رأينا أن الذي يخلفه الأعمش فأتيناه فسألناه عن الحلال والحرام فإذا لا شيء فسألناه عن الفرائض فإذا هي عنده، قال: فأتينا حمادًا فسألناه عن الفرائض فإذا لا شيء فسألناه عن الحلال والحرام فإذا هو صاحبه، قال: فأخذنا الفرائض عن الأعمش وأخذنا الحلال والحرام عن حماد.

ورغم علمه وسعة معرفته إلا أنه وصف بالتدليس؛ وصفه بذلك الكرابيسي والنسائي والدار قطني وغيرهم، وفي دراسة أجراها الدكتور خالد بن عبد الله بن سبيت السبيت بعنوان "الاختلاف على الأعمش في كتاب العلل للدار قطني(تخريج ودراسة)" قال فيها:

"الأعمش موصوف بنوعين من التدليس هما تدليس الإسناد وتدليس التسوية:

فأما تدليس الإسناد فتبين لي من خلال العينة التي شملتها الدراسة أن تدليس الأعمش قليل وهو مفهوم كلام أهل العلم وعين ما فعله الحافظان العلائي، وابن حجر العسقلاني إذا وضعاه في المرتبة الثانية.

وأما تدليس التسوية فلم أقف في حديث من أحاديث الدراسة على حديث دلس في هذا النوع من التدليس، وهذا دالٌ على ندرة وقوع هذا النوع من التدليس منه".

وكان الأعمش عابدًا ناسكًا، لم يؤثر عنه أنه ضيع فرائض الله أو أهمل فيها؛ بل روي أن الأعمش ظل ما يجاوز من سبعين سنة لم تفته التكبيرة الأولى، ومما روي عنه أنه ظل قريبا من ستين سنة ما قضى ركعة، وكان يحيى القطان يقول إذا ذكر عنده الأعمش: كان من النساك وكان محافظًا على الصلاة في الجماعة وعلى الصف الأول.

مزاحه ومرحه

وهو علاّمة الإسلام وَكَانَ صاحب سنّة ومع جلالته فِي العلم والفضل صاحب مُلح ومزاح ومن ذلك ما وقع بينه وبين زوجته من وحشة فسأل بعض أصدقائه من الفقهاء أن يرضيها ويصلح بينهما، فدخل إليها وقال: إن أبا محمد شيخ كبير، فلا يُزهدنك فيه عمش عينه، ودقة ساقيه، وضعف ركبتيه، ونتن بطنه، وبخر فمه، وجمود كفه! فقال له الأعمش: قم، قبحك الله، فقد أريتها من عيوبي ما لم تكن تعرفه.

وقال أبو حنيفة للأعمش وقد أتاه عائدًا له في مرضه: لولا أن أثقل عليك يا أبا محمد، لعدتك والله في كل يوم مرتين. فقال له الأعمش: والله يا ابن أخي، أنت ثقيل علي وأنت في بيتك، فكيف لو جئتني في كل يوم مرتين.

وقال لابنه: اذهب فاشتر لنا حبلاً يكون طوله ثلاثين ذراعًا، فقال الولد: يا أبتي في عرض كم؟ قال: في عرض مصيبتي فيك!

سرعة بديهته

وكان الأعمش صاحب عقل وحكمة وصفه بذلك زهير بن معاوية فكان يقول: ما أدركت أحدًا أعقل من الأعمش والمغيرة. وكان ذا بديهة سريعة وقد حدث أن خرج الأعمش ذات يوم من منزله بسحر، فمرَّ بمسجد بني أسد وقد أقام المؤذّن الصلاة، فدخل يصلّي، فافتتح الإمام الركعة الأولى بسورة البقرة، ثم في الركعة الثانية سورة آل عمران. فلما انصرف قال له الأعمش: أما تتقي الله؟ أما سمعت حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام: "مَنْ أَمَّ الناسَ فَلْيُخَفِّف، فإن خلفه الكبير والضعيف وذا الحاجة"؟ فقال الإمام: قال الله عزَّ وجَلّ: {وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين}. فقال الأعمش: فأنا رسول الخاشعين إليك بأنك رجل ثقيل الظل!

وقد أراد إبراهيم النخعي ذات مرة أن يماشيه وكان أعور، فقال له الأعمش: إن رآنا الناس معًا قالوا: أعور وأعمش؛ فقال النخعي: وما عليك أن يأثموا ونؤجر؟! فقال له الأعمش: وما عليك أن يسلموا ونسلم؟.

من كلماته
ومما أثر عنه أنه كان يقول: إني لأحب أن أعافى في إخواني؛ لأنهم إن بلوا بليت معهم؛ إما بالمواساة وفيها مؤونة، وإما بالخذلان وفيه عار.

وفاته
عاش الأعمش حتى سنة تسع وأربعين ومائة وفيها كانت وفاته ودخل عليه أبو بكر بن عياش في مرضه الذي توفي فيه فقلت: أدعو لك طبيبًا فقال: ما أصنع به فوالله لو كانت نفسي في يدي لطرحتها في الحش إذا أنا مت فلا تؤذنن بي أحدًا واذهب بي فاطرحني في لحدي.

قال ابن كثير في البداية والنهاية.وفي سنة ثمان وأربعين ومائة توفي سليمان بن مهران الأعمش أحد مشايخ الحديث في ربيع الأول منها. وجاء في تاريخ بغداد" سليمان بن مهران الأعمش مات سنة تسع وأربعين ومائة وكان ثقة ثبتا في الحديث والله أعلم".

منقول للفائدة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق