الأحد، 12 أغسطس 2012

الخليفة الصالح هارون الرشيد


الخليفة الصالح هارون الرشيد

من أجمل القصص التى قرأتها عن هارون الرشيد , الخليفة العلم الذى افُترى عليه وكُذب عليه وشُوِّهَت صورته بسبب المسلسلات الموجهة التى شوهت تاريخ أئمتنا. هذه القصة قرأتها فى رسالة صغيرة للامام ابن الصلاح , وهى تبين حقيقة هذا الخليفة الذى هو من خيرة الخلفاء العباسيين.

عبدالسلام التريكى

واليكم قصته الماتعة

" فبينما كان هارون الرشيد فى الحج حَدَّثَ وزيره الفضل بن الربيع قائلاً: «ويحك، قد حك فى نفسى شىء، فانظر لى رجلاً أسأله. فقلت: ها هنا سفيان بن عيينة، فقال: امض بنا إليه، فأتيناه، فقرعت بابه، فقال: من ذا؟ فقلت: أجب أمير المؤمنين، فخرج مسرعاً، فقال: يا أمير المؤمنين، لو أرسلت إليَّ أتيتك. فقال: خذ لما جئتك له، فحدثه ساعة، ثم قال له: عليك دَين. قال: نعم. فقال لى: اقض دينه، فلما نهضنا إليه قال: ما أغنى عنى صاحبك شيئاً. قلت: ها هنا عبدالرزاق. قال: امْضِ بنا إليه، فأتيناه، فقرعت الباب فخرج، وحادثه ساعة، ثم قال: عليك دين؟ قال: نعم. قال: أبا عباس، اقض دينه. فلما خرجنا قال: ما أغنى عنى صاحبك شيئاً، انظر لى رجلاً أسأله، قلت: هاهنا الفضيل بن عياض، قال: امض بنا إليه، فأتيناه، فإذا هو قائم يصلى، يتلو آية يرددها، فقال: اقرع الباب، فقرعت، فقال: من هذا؟ قلت: أجب أمير المؤمنين. قال: ما لى ولأمير المؤمنين؟ قلت: سبحان الله! أما عليك طاعة، فنزل ففتح الباب، ثم ارتقى إلى الغرفة، فأطفأ السراج ثم التجأ إلى زاوية، فدخلنا، فجعلنا نجول عليه بأيدينا فسبقت كف هارون قبلى إليه، فقال: يا لها من كف ما ألينها إن نجت غدا من عذاب الله، فقلت فى نفسى: ليكلمنه الليلة بكلام نقى من قلب تقى، فقال له: خذ لما جئناك له - رحمك الله - فقال: إن عمر بن عبدالعزيز لما ولى الخلافة دعا سالم بن عبدالله، ومحمد بن كعب، ورجاء بن حيوة، فقال لهم: إنى قد ابتليت بهذا البلاء، فأشيروا علىّ. فعد الخلافة بلاء، وعددتها أنت وأصحابك نعمة. فقال له سالم: إن أردت النجاة، فصمِ الدنيا وليكن إفطارُك منها الموت. وقال له ابن كعب: إن أردت النجاة من عذاب الله، فليكن كبير المسلمين عندك أباً، وأوسطهم أخاً، وأصغرهم ولداً، فوقّر أباك، وأكرم أخاك، وتحنن على ولدك. وقال له رجاء: إن أردت النجاة من عذاب الله، فأحبّ للمسلمين ما تحب لنفسك، واكره لهم ما تكره لنفسك، ثم مت إذا شئت، وإنى أقول لك هذا، وإنى أخاف عليك أشد الخوف يومًا تزل فيه الأقدام، فهل معك، رحمك الله، مَن يشير عليك بمثل هذا. فبكى بكاء شديداً حتى غشى عليه. فقلت له: ارفق بأمير المؤمنين، فقال: يا ابن أم الربيع تقتله أنت وأصحابك، وأرفق به أنا؟ ثم أفاق، فقال له: زدنى، رحمك الله، قلت: بلغنى أن عاملاً لعمر بن عبدالعزيز شُكى إليه، فكتب إليه: يا أخى أذكرك طول سهَر أهل النار فى النار مع خلود الأبد، وإياك أن ينصرف بك من عند الله، فيكون آخر العهد وانقطاع الرجاء، فلما قرأ الكتاب طوى البلاد حتى قدم عليه، فقال: ما أقدمك؟ قال: خلعت قلبى بكتابك، لا أعود إلى ولاية حتى ألقى الله، فبكى هارون بكاء شديداً فقال: يا أمير المؤمنين، إن العباس عم النبى عليه الصلاة والسلام جاء إليه فقال: أمّرْنى، فقال له: إن الإمارة حسرة وندامة يوم القيامة، فإن استطعت ألا تكون أميراً فافعل. فبكى هارون، وقال: زدنى. قال: يا حسن الوجه أنت الذى يسألك الله عن هذا الخلق يوم القيامة، فإن استطعت أن تقى هذا الوجه من النار، فافعل، وإياك أن تصبح وتمسى وفى قلبك غش لأحد من رعيتك، فإن النبى عليه الصلاة والسلام قال: من أصبح لهم غاشاً لم يَرح رائحة الجنة. فبكى هارون وقال له: عليك دَين؟ قال: نعم، دين لربى، لم يحاسبنى عليه. فالويل لى إن ساءلنى، والويل لى إن ناقشنى، والويل لى إن لم ألهم حجتى. قال: إنما أعنى من دَين العباد. قال: إن ربى لم يأمرنى بهذا، أمرنى أن أصدق وعده، وأطيع أمره، فقال سبحانه وتعالى: «وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ» الآيات. فقال: هذه ألف دينار خذها، فأنفقها على عيالك، وتقوَّ بها على عبادة ربك، فقال: سبحان الله! أنا أدلك على طريق النجاة، وأنت تكافئنى بمثل هذا. سلمك الله، ووفقك. ثم صمت، فلم يكلمنا، فخرجنا، فقال هارون: أبا عباس، إذا دللتنى، فدلنى على مثل هذا، هذا سيد المسلمين. فدخلت عليه امرأة من نسائه فقالت: قد ترى ما نحن فيه من الضيق، فلو قبلت هذا المال. قال: إنما مثلى ومثلكم كمثل قوم لهم بعير يأكلون من كسبه، فلما كبر نحروه، فأكلوا لحمه، فلما سمع هارون هذا الكلام قال: ندخل فعسى أن يقبل المال، فلما علم الفضيل، خرج فجلس فى السطح على باب الغرفة، فجاء هارون، فجلس إلى جنبه، فجعل يكلمه فلا يجيبه، فبينما نحن كذلك إذ خرجت جارية سوداء، فقالت: يا هذا، قد آذيت الشيخ منذ الليلة، فانصرف فانصرفنا}.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق